7.10.08

الأخيرة


استَيقظت فجأة..
والعرق يغمرني, جسدي يهتز إنفعالًا وأنفاسي تتلاحق..
أشعُر بحزن عميق يجثُم على صدري, يبدو أنه كان كابوسًا سيئًا ..
طالما حذرتني أمي من الإكثار في الطعام الدسم قبل النوم, فهو على حد قولها يسبب الكوابيس !!
مسحتُ وجهي بيديَّ لأُزيل آثار النوم, ففاجأني وجود تلك الدموع الساخنة التي كانت تنساب على وجنتيّ .. قفزتُ من سريري لأطالع وجهي في المرآة فأجده ممتقعًا وعيناي بلون الدم
إستعذت بالله من الشيطان وأنا أحاول أن أسترجع هذا الكابوس, لم أعتد البكاء, فما بالي وبكائي كان في نومي, وكلما كدت أتذكر هذا الكابوس, يفلت مني كالزئبق
لذا فقد تناسيت هذا الجو وجلست مواجهًا لشاشة الحاسب الآلي, لكني لم أجد الرغبة في اللعب أو مشاهدة الأفلام الأجنبية كعادتي كل صباح, حيث تكون (( الإصطباحة )) بفيلم حركي.. أو حلقة من مسلسل مثير لكني لم أجد ما يمكن أن يشغل بالي عن هذا الحزن الدفين, أدخل على برامج للمحادثة فهي واحدة من أهم مصادر الخروج عن الواقع والإبتعاد عما يضايقني..لكن هذا لم يفلح أيضًا
قررت أن أذهب لصديق لي فالخروج يفيد في حالات الكآبة
بحثت عن قميص مكوي و بنطال نظيف في أنحاء غرفتي فلم أجد .. لا أدري لِمَّ تتواجد ملابسي في كل مكان إلا الدولاب
وجدت ( تي-شيرت ) جيد وبنطال جينز لم تطلهما العفونة
إرتديت ملابسي على عجل محاولاً الهروب من هذا الجو الخانق.. مع أننا لا نزال في مطلع الشتاء
أفكر في حياتي و أنا أطوى الطريق بخطوات متباطئة نوعًا, في كلام صديقي عن اللامبالاة التي تتسبب في نزولي إلى الدرك الأسفل من الحياة
أتذكر كلمات أمي الحزينة ودعواتها لي بالهداية, وصيحة أبي في
- فشلك من إهمالك, بطَّل إهمال .. هيبعد الفشل عن طريقك..
أسحب سيجارة من العلبة المستوردة التي تلتهم نصف راتبي شهريًا وأُشعلها مستمتعًا بالدُخان الذي يدخل لينظف مخي من شوائب الفكر المقلقة..
أشعر ببعض الراحة مع أثر الدخان وتتباطئ خطواتي أكثر مع تردد كلمات عمي الحانية:
- عايز تتغير, متعلقش حاجه على شماعة الحياة, غير جلدك..
لم أفهم في يوم كيف يغير الشخص تصرفاته التي إعتادها ليصبح على النقيض,و لم أستطع التغيُّر..
سائق يسبني بعدما كاد يصدمني وأنا أعبر الطريق بلامبالاة غير شاعر بما حولي..
يالها من حياة خانقة..
الضجيج, يكاد أن يخترق مخي ويذيبه..
زحام
صراخ..
وجوه متجهمة..
هذا ما أقابله في طريقي, حياة فقدت ألوانها.. وبشر فقدوا شعورهم بالحياة..
في رأسي أسمعُ صدى لصوتٍ هادئ يختلط بأغنيةٍ حديثة لأحدِ فرق الروك الشهيرة, أحاول تبين هذا الصوت لكن الأغنية الصاخبة تطغى على باقي الأصوات..
فأندمِج معها وأهُز رأسي مع الألحان التي أحفظها عن ظهر قلب.. وأُلقي نظرة على سجائري العزيزة التي لم يتبقَ منها إلا واحدة.. أضعها في فمي.. وأعبر الطريق متجهًا نحو أقرب بائعٍ للسجائر، وأنا أعبث في جيوبي علّي أجد ثمن علبة سجائري العزيزة القادمة، بينما حديثي الدائم مع صديقي الأعز يتردد في مُخيَّلتي:
- هتموت بالدخان في يوم من الأيام.. يا أخي إرحم نفسك..مش الدكتور منعك من السجاير!!
لأرد عليه بأن الموت حق على الجميع, وأني لا أقدر على تركها.. لا أمتلك تلك الإرادة.. وأني قد أتخلى عن الطعام في يوم ولا أتخلى عن التدخين..
أبتسم عندما أجد ورقة بخمس جنيهات ( هي ثمن علبة السجائر بالضبط )..
خطوات قليلة تفصلني عن المحل المنشود, تجلس بجواره عجوز تفترش الرصيف بخضروات قليلة جففتها الشمس..
عبرت الضفة الأولى من الطريق ووقفت منتظرًا الفرصة لعبور الأخرى، والتي كانت على عكس الاولى (( سالكة )) المرور تنطلق بها السيارات بسرعة لأجد تلك الفتاة تقف بجانبي حاملة زجاجة قذرة صغيرة بها ماء من مبرد في الجهة الأخرى وقد إرتسمت على وجهها علامات البؤس وملابسها المهترئة تفصح عن حالها..
كانت طفلة لأقصى حد, تشع من عيناها برائة لامتناهية, ونظرة إستجداء واضحة,طالعت ورقتي المالية.. ووجه الصغيرة.. والسيجارة التي لم أشعلها بعد. فلم تصمد في المنافسة..
لتذهب إلى الجحيم.. أنا لن أتخلى عن سجائري، ولو بكت دموعها دمًا..
أردد الأغنية ويضعف الصوت الهادئ المشوش في رأسي إلى همسات, وأنا أهم بعبور الطريق فجأه بعدما وجدت ثغرة يمكنني إستغلالها في العبور متفاديًا ذوات الأربع إطارات..فتفاديت سيارة ووقفت لأخرى مسرعة كاد سائقها الأرعن أن يدهس أصابعي..و أنظر للجهة المقابلة لأجد سيدة تحاول القيام من فرشتها وهي تصرخ في إتجاهي..
تعجبت منها, و ..
حانت مني إلتفاتة للخلف لأجد الفتاة الصغيرة تبدأ رحلة العبور.. ومع نظرتي الثانية للسيدة فهمت كل شيء.. هي إبنتها.. كانت تحضر لها الماء من الناحية الأخرى..
وها هي سيارة أخرى تنهب الطريق نهبًا وتنطلق بسرعة أكثر بكثير من السرعة المقررة للسير داخل المدن..وتتجه نحوها..
نحو الفتاة..
لحظتها..
توقف الزمن..وأنا أذكر كابوسي بكل وضوح وكأنما إنهار ذلك السد الذي كان يمنعني من التذكر..
عن فتاة صغيرة جميلة..
هي ابنتي..
تسببت بإهمالي في موتها..
تذكرت دموعي التي إنهمرت كأمطار الشتاء حزنًا عليها..
و..
صمت صوت الأغنية من عقلي تمامًا ليعلو الصوت الهاديء لآية قرآنية..

(( إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ))

قبضت على ذراع الفتاة بقوة وأنا أحاول تفادي السيارة التي كادت أن تحولني إلى عجين وصرير الإطارات التي تحاول التشبث بالأسفلت يكاد أن يصم آذاني..
كانت ممتقعة الوجه.. لكنها بخير..
كانت ترتجف كعصفور مبلل في ليل بارد.. لكنها حية..
كانت دموعها تسيل من الخوف.. تقابلها دموعي..
إرتجف جسدي إنفعالًا وأمها تحتضنها مع تجمهر البعض حولنا وبعضهم يسب ويلعن السائقين المتهورين وهو يضرب كفًا بكف.. والبعض الآخر يربت على ظهري أو يشجع الأم قائلًا:
- جت سليمة..
تنظر الأم لي وكلامها المقترن بالبكاء لايكاد يبين شيئًا لكني عرفت من نظرتها أنها كلمات شكر لما فعلته, عبرت الشارع بسرعه وانا أحمد الله على ستره.. وتوقفت للحظة أمام محل السجائر وإبتسمت وانا أنظر للفتاة التي بادلتني الابتسام وهي تقبض على الجنيهات الخمس..
اتسعت ابتسامتي و أنا أنظر لسيجارتي الأخيرة ثم ألقيها وأتابع مسيرتي..

هناك 11 تعليقًا:

3ali يقول...

nice

;)

NG يقول...

تسجيل لإعجابي الشديد الشنيع الرهيب بالقصة دي !!
:D

انجي

Ihab Omar يقول...

جميلة قوي
اجمل هو انه في تقدم في اسلوبك .. الاسلوب نفسه بيوعد بحاجات اقوي و اجمل من كدا بكتير في القريب العاجل
لا تتوقف و استمر في الكتابة

إيمان عزمي يقول...

كيف حالك محمد
حين قرأت عنوان القصة تذكرت أيام ولت كانت ليلي دارنا العزيزة أنشط فيها بكثير مما هي عليه الان.
مازلت عند رأيي.. تابع الكتابة و لا تتوقف.
بالتوفيق

Ahmed Elfeky يقول...

يا اخى يوم عن يوم بتسبتلى انك كاتب موهوب


تحياتى

أحمد الفقى

Ahmed Elfeky يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
أسماء علي يقول...

ياللعااااااااااااار

ليه بقى مش بتكتب دايما أصل الموهبة دي حرام تظهر كل الف سنة مرة

يا محمد

بجد القصة جميلة جداااااااا

Walaa Elshamloul يقول...

حلوة اوى يا محمد
بس انا حاسة ان النهاية مفتعلة
والقاء السيجارة غير منطقى
ومتناقض مع حبك الشديد للتدخين
ووصفك للسيجارة بانها العزيزة
خاصة وانك لم تقدم مبررا دراميا يجعلك تلقى السيجارة
بالعكس
انت ماشي ما فيش فى جيبك جنيه
وفى ايدك اخر سيجارة
يبقى الطبيعى انك تشربها
دا رايي فى القصة
مش بقولك كمل سجاير
واتمنى تقوى ارادتك عشان تبطلها
هو اللى بطلوها احسن منك فى ايه؟

T i G e R يقول...

الله اكبر

الله اكبر

ما شاء الله على هالإبداع يا محمد

ان شاء الله تكون نهاية القصه من
نصيبك و من نصيبي
و نبطل ( السم الهاري )اللي بنشربه

اجمد يا
solid
TiGeR اخوك

Mohamed Gameel يقول...

يا خبر اخضر
عشر زيارات هنا فعلا حقيقي
مش مصدق بقي
سعيد كدودة اكتشفت انها بقت فراشه في يوم وليله
ونقول بسم الله

***
علي باشا ربنا يخليك
يا رب اشوفك هنا تاني

***

NG
يا فندم انا بجد سعييييييييد جدًا بزيارتك دي وبرأيك اللي بجد رفع معنوياتي جاااااااااااااامد
تسلمي يا انجي

***

ايهاب باشا
سعيد بكلامك بجد
ويا رب اسلوبي يتقدم كدا ويمتعك كل مره تقرالي يا صاحبي

***

ايمان
وانا معاكي كمان في الكلام دا
وسعيد بيه
وان شاء الله هكمل على قد ما اقدر
اسعدتني زيارتك

***

بسبتلك ايه بس يا فقي
يبني في فرق بين التسبيت والاثبات
ودا دليل ادانه يا احمد
وحشتني يا ابو الكباتن
يلا في المعرض بقى

***

د. اسماء علي
موهبة تظهر كل الف سنه مره
ليه هيا موهبة فرعونية يا بنتي
قال يعني انا بكتب نص حلاوة كتابتك ولا كتابة الناس اللي معلقين دول
يا بنتي بطلي مجامله
برضوا مش هتشتغلي في العلاقات العامة :P

***

استاذه ولاء الشملول
يا فندم سعيد بالزيارة الحلوة
بس عمومًا
بالنسبة للغرض من القصة ان الشخص اللي عايز يغير حياته يقدر يغيرها
واللي عايز يبطل السجاير هيبطل
وعمومًا انا الحمد لله مبطلها من بعد القصة دي بشهور
وبقالي الحمد لله 6 شهور الوقتي

***

ابو النمووووووور
منور يا قمر
يا رب يا موست تبطل ان شاء الله
منتظرك في نادي غير المدخنين

***

داي
يا فندم ليا شرف انك نورتني وان شاء الله هيكون في زيارة لمدونتك الخاصة قريبًا

***

بجد فرحان ان ناس كتير اوي كدا ردت
خصوصًا ان بجد الأغلب كتابتي متجيش جمب كتابتهم حاجه
يلا هروح اخد قلم في نفسي واجي تاني

إيناس حليم يقول...

ماشاء الله ماشاء الله وبالانجليزي كمان :)
الفكرة حلوة يا محمد وبتعرف تمسك التفاصيل كويس ودي أهم حاجة في الكاتب من وجهة نظري..
يمكن لغة السرد مباشرة شوية لكن كلنا كنا كدة في الاول وانا ملاحظة ان القصة دي قديمة فين الجديد؟ :)